'لاس ميغاس' تُشعل ركح الحمّامات..فلامنكو أنثويّ معاصر
عاش جمهور مهرجان الحمّامات الدولي ليلة أمس، مع عرض قدّمته الفرقة النسائية الإسبانية Las Migas ضمن فعاليات الدورة التاسعة والخمسون من المهرجان.
قدّمت الفرقة مزيجًا موسيقيًا جمع بين أصالة الفلامنكو وجاذبية الموسيقى المعاصرة، في توليفة حملت روح التنوّع والأنوثة والثورة الفنية.
روح الفلامنكو المتجدّد
تفاعل الجمهور التونسي والأجنبي بشكل كبير مع عرض الفرقة، حيث حضر بعضهم لاكتشافها لأوّل مرة، في حين جاء آخرون بعد سنوات من متابعة مسيرتها.
قدّمت الفرقة مجموعة من أشهر أغانيها التي رافقت مراحل مختلفة من مسيرتها، نذكر منها: "Grito"، "Tangos de la Repompa"، "Ojitos Verdes"، "Una Mica Més"، و"Jamás Me Perderás".
عرض حمل جمهوره في رحلة موسيقية جمعت بين الإرث الأندلسي وتلوينات من الجاز، البوب، الريغيتون، وغيرها من الإيقاعات الحديثة التي منحت الفلامنكو نَفَسًا جديدًا.
"Flamencas": ألبوم ثورة وتجديد
في تصريح خاص لموزاييك، كشفت عازفة الجيتار أليسيا غرييو أن ألبومهن الأخير Flamencas الذي صدر هذه السنة يُمثّل "ثورة" موسيقية بالنسبة للفرقة، إذ يسعى إلى تحميل الفلامنكو بكلمات معاصرة وشخصيات متنوّعة ومتساوية و أنّه كان إنتاجا يعكس نظرتهنّ الفلامنكو و إحساسهنّ من خلاله.
من جهتها، أكدت مارثا روبليس، عازفة الجيتار وقائدة المشروع الفني، أنّ المزج بين الأنماط المتجدّدة وأصالة الفلامنكو ليس أمرًا صعبًا، لأنّ الأدوات مثل الجيتار والكمان، وصوت زميلتهن المغنية باولا راميريز، تمنح الفرقة القدرة على الحفاظ على الهويّة الفلامنكية وسط التجريب.
رسالة من القلب إلى فلسطين
في لفتة إنسانية مؤثرة، وجّهت مارثا روبليس رسالة باسم الفرقة إلى الشعب الفلسطيني، وخاصة إلى نساء غزة، قائلة:"نحن هنا لا نعرف بالضبط ماذا نفعل، لكننا نريد أن نفعل شيئًا… قلوبنا مع النساء والرجال والأطفال في قطاع غزة".
نساء يُمسكن بالإيقاع والكلمة
في عالم موسيقي لا تزال المرأة فيه غالبًا في أدوار خلفية، اختارت Las Migas أن تكسر هذا القيد، فكل واحدة منهنّ تُجيد العزف والتلحين والغناء والقيادة الفنية.
رافق الفرقة خلال العرض عازف تشيللو وموسيقية على آلة "الباتري"، مما أضفى عمقًا صوتيًا وأداءً حيًّا ثريًا عزّز من حضورهن الطاغي على الركح.
من طبق "الفتات" إلى العالميّة
اسم الفرقة "Las Migas" يعني بالإسبانية "الفتات"، وهو طبق تقليدي بسيط يُحضّر من بقايا الخبز، لكنه غني بالنكهات. استعارة هذا الاسم تُجسّد فلسفة الفرقة القائمة على تحويل البسيط إلى مُركّب، والقديم إلى جديد، من خلال مزج التقاليد بالإبداع.
تأسست Las Migas سنة 2004 في برشلونة، على يد أربع طالبات من المدرسة العليا للموسيقى في كاتالونيا.
وقد نجحت منذ ذلك الحين في إحياء الفلامنكو بروح نسائية حرّة، حيث قدمت عروضًا في أكثر من 50 بلدًا حول العالم، منها الهند، كوبا، الصين، المغرب، والولايات المتحدة.
و كانت قد حصدت الفرقة على عدة جوائز مرموقة، أبرزها:
جائزة Latin Grammy Award لأفضل ألبوم فلامنكو عن Libres (2022)
جائزة Independent Music Award (MIN) لأفضل ألبوم فلامنكو عامي 2020 و2023
ثلاث ترشيحات لجائزة Latin Grammy في فئة أفضل ألبوم فلامنكو (2016، 2022، 2024)
توقيع أنثوي إسباني
لم يكن عرض Las Migas في الحمّامات مجرد حفلة موسيقية، بل كان احتفاءً بالفنّ كمساحة حرّة للأنوثة والتعبير والتجريب.
أثبتت الفرقة أن الفلامنكو يمكن أن يتجدّد دون أن يفقد جذوره، وأن المرأة قادرة على قيادة المشهد الموسيقي بعزفها وصوتها ورؤيتها.
بعد عشرين عامًا من التأسيس، لا تزال Las Migas تحتفظ بمكانتها الخاصة كرمز للفلامنكو المعاصر، بفضل جرأتهن في تجاوز الحدود، وإصرارهن على فتح أبواب الفن أمام قصص النساء وأحلامهن…
ليندا بلحاج